و تخفض من له شأن
تميت محبّة و تشعل عداوة
تسقط عمامات و تحلق لحى
تعريّ الأجسام من أشكالها الكاذبة
و القلوب من ألوانها المزيفة
تفعل أفعاليها ثمّ تمرّ بهدوء و كأنّ شيئا لم يحصل
و كأنّ هذه الحركة هي سنّة كونية تكفّلتها التجارب على مرّ العصور
إنّها الكاشف الفطري لأصعب العملات و أكثرها تعقيدا
عملة لم تتمكن القوّة البشرية من صنع كاشف لها
بل عجزت عنها أرجح العقول و أثقب البصائر
إنّها عملة تختلف عن غيرها يدخل في تركيبها عوامل كثيرة و أركان عديدة
فهي ليست ذهبا تكشفه تحت عدسة الصائغ
أو حديدا تنقره على سندان الحدّاد
إنّها منظومة معقّدة تتكوّن مع سنين الطفولة الأولى و تكبر بداخلنا شيئا فشيئا
يدخل في تكوينها الأسرة و المدرسة و المجتمع
توثّق أوصالها القيم السماوية و الأرضية التي ترسّخ بعمق في السنوات الأولى
تتجذّر في أعماق الفرد حتّى إذا جاءت مياه السنين اهتزّت و ربت
و بعدها يصبح قلعها شيئا صعبا بل أقرب للمستحيل
قد تحترق بعض الأوراق و تتقشّر أغصانها
ربّما تكتسي بثوب أسود قاتم يجعل من الصعب معرفة كنهها
لكنّ ذلك كلّه ليس كفيلا بأن يمحو البذرة الأولى
و قد يحتاج إعادة اللون الحقيقي لها بعض المياه الصافية النقيّة
أمّا إن كانت البذرة خبيثة في أصلها سيئة في منبتها فلن يفيدها كثرة الماء العذب و الزينة الخضراء
فزيفها سيتكشّف حتما إن لم يكن بشكلها فبثمارها المرّة الفجّة
و في هذه الحالة لا ينفعها غير الإستئصال من الجذور و إعادة الزرع و كلمّا تجذرت البذرة صعب قلعها
الناس معادن
و خير كاشف لها الأيام و التجارب
قد تكون التجربة بتجارة أو سفر أو زواج أو .....الخ
و قد تكون بأشياء أخرى جديدة يتمخّض عنها الزمان كل بضعة دورات له
لعلّ أهمها اليوم ثورات الربيع العربي التي كشطت الأقنعة المزيفة بسرعة لم نتوقعها
أو بعبارة أخرى
كشفت المعادن دون أن نطلب منها ذلك
إنّها حركة الزمان تتبدّل أساليبها بالكشف لكنّها في جميع الأحوال تقدّم لنا تجارب
علينا معاينتها و عيشها
لتضع يدها على يدنا و تحرّكها بأشكال مختلفة لتسقط الجبب و تحلق اللحى و تعرّي الوجوه
إنّها الحكمة المعاشة ... التجربة الفطرية
إنّها الكفيلة لفهم القانون الغامض
لكشف العِملة البشرية الصعبة
هي الحلّ الأمثل لنعيش عبارة
الناس معادن !!