اقراء
عبد الله الدامون -
لنتصور أن باحثا أو مؤرخا أو أي شخص آخر قرر ذات يوم أن يقول إن ما جرى لليهود في الحرب العالمية الثانية شيء لا يمكن تصديقه، وإن المحرقة -الهولوكوست- مجرد خرافة ثقيلة وسمجة، وإنه يجب على الباحثين من مختلف البلدان والثقافات والأديان أن يجتمعوا ويبحثوا في مصداقية حكاية المحرقة، فإذا ما ثبت أنها حقيقية فسنصدقها جميعا، وإذا ما تبين أنها لم تحدث فيجب أن ننسى أمرها.
لو قال أحد هذا الكلام فإن العالم سيـُقام ولن يـُقعد، والذي سيقولها سيجد نفسه خلف القضبان لأن هناك قانونا أوربيا وأمريكيا يحرم الاقتراب من هذا الموضوع؛ ففي الوقت الذي يمكن للبشرية أن تبحث وتتساءل وتحقق في أي شيء، لا يمكنها أبدا الاقتراب من هذا الموضوع. والناس يتذكرون ما جرى للفنان الكوميدي الفرنسي، ديودوني، الذي عرض مسرحية تنتقد الترويج المبالغ فيه لـ«الهولوكوست»، فانتفض العالم كله ضده.
وفي فرنسا، صادق البرلمان الفرنسي بداية هذا العام على قانون يسجن كل من يشكك في المذابح الأرمينية، التي تـُتهم تركيا بارتكابها، لكن هذا البرلمان نفسه يغلق فمه بقفل كبير وهو يرى ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين، أو ما تقوم به أمريكا في أماكن كثيرة من العالم.
مقابل هذه الحكاية هناك حكاية أخرى، وهي أنه في كل مرة يصحو معتوه غربي أو أمريكي من النوم، تعنّ له فكرة حمقاء من أجل لفت أنظار العالم، فيقرر مهاجمة الإسلام بأرذل الطرق الممكنة، بدءا بالمتخلف عقليا، سلمان رشدي، مرورا برسام الكاريكاتير المبتدئ في الدنمارك، وانتهاء بالفيلم الأمريكي، القضية، إذن، قضية استهداف غريب لدين لا يتواءم مع أفكار الغرب، لذلك صار الإسلام مرتبطا بالإرهاب، بينما الناس جميعا يعرفون ما قام به أتباع المسيحية، ومع ذلك لا أحد من المسلمين يتهم المسيحية بالإرهاب. لقد استعمر المسيحيون نصف العالم، وأبادوا الهنود الحمر وسكان أستراليا الأصليين، واستعبدوا وأبادوا ملايين الأفارقة السود، وأحرقوا ملايين الأرواح في أتون حروب صليبية بلا طائل، ونكـّلوا بالشعب الأندلسي وطردوه من أرضه وشردوه في أصقاع العالم، واستعمروا بلدانا كثيرة واستغلوا ثرواتها، ورموا بالقنابل النووية فوق شعوب بريئة، لكن لا أحد يجرؤ على إخراج أفلام مسيئة أو إصدار كتب مبتذلة حول السيد المسيح، لأن المسيحية دين نقي شوهه أتباع المسيحية وارتكبوا المجازر باسمه.
الشيء نفسه يتعلق بالديانة اليهودية؛ فحتى الفلسطينيون الذين يتعرضون كل يوم للتنكيل والقتل لا يربطون بين إسرائيل وبين الديانة اليهودية الحقيقية، لأن قادة إسرائيل يعتنقون مذهبا صهيونيا عنصريا لا علاقة له بالدين اليهودي الأصلي. وهناك الكثير من الأحبار اليهود المخلصين لدينهم يقولون إن زعماء إسرائيل مجرد غزاة استعماريين يتخذون من الدين اليهودي وسيلة لتحقيق نعراتهم المتوحشة.
مقابل ذلك، فإن المسلم لا يكون مسلما لو لم يؤمن بجميع الأنبياء، بعيسى وداوود وسليمان.. وكل الأنبياء، بينما الآخرون لهم مشكلة مع نبي واحد، نبي الإسلام. أين هو التطرف إذن؟
لكن ما الذي يجب على المسلمين فعله لكي يتوقف الآخرون عن احتقارهم؟ الجواب واضح.. يجب أن يعودوا فورا إلى أول كلمة أُنزلت في القرآن، وهي كلمة «إقرأ»، وسيجدون أنها مفتاح كل شيء. وحتى لو أحرق المتظاهرون مائة سفارة ونظموا مائة ألف مظاهرة وأحرقوا مليون علم أمريكي، فالعالم سيستمر في استفزازهم لأن المسلمين تركوا العلم والتقدم وتحولوا إلى مجرد قطيع من مليار ونصف مليار شخص. الآخرون سيستمرون في التعذيب النفسي للمسلمين لأنهم ضعفاء جدا، ضعفاء في العلم والقوة. إنهم مجرد مليار ونصف مليار من الأصفار.. لكن على الشمال. اليوم ليس أمام المسلمين طريق آخر غير العلم والتقدم ومقاومة حكامهم الفاسدين.
قبل أيام كان فقيه في مسجد صغير في قرية مغربية يحذر المسلمين من تعليم أبنائهم في المدارس، وقال لهم بالحرف: لو علمتم أبناءكم في المدارس فسيكبرون ويتوظفون ويأخذون الرشوة.
هذه هي مشكلتنا، ننصح الناس في المساجد بعدم تعليم أبنائهم، ثم ننفجر غضبا عندما يهيننا الآخرون. ذلك الشخص المريض الذي أخرج ذلك الفيلم الحاقد فعل ذلك لأنه دخل المدرسة، ولكي نقف في وجهه يجب علينا نحن أيضا أن ندخل المدرسة.