☀★ أنيميا الذوق ★☀
كل حركة أو سَكَنَة يحتاج المرء إلى استحضار معاني الذوق، كي تخرج
أقواله وأفعاله إلى الواقع مُغلفة بغلاف التحضر والرقى.
فإذا كان لكل شيء عنوان يُلخصُ محتواه، ويُفصحُ عن فحواه، فإن الذوق
هو الواجهة الحقيقية للأخلاق الراقية، بل هو روح تسرى في الكيان
الأخلاقي كما تسرى الدماء في البناء البشرى، لتمد هذا الكيان بالحركة
والحياة والتجدد، وكل مُعاملة رحل الذوق عنها هي - في الحقيقة -
عجرفة أو إساءة أو سوء أدب..الخ.
إذن، فالذوق سلوك بشري راق، يمتلك ناصية التعبير عن الإنسانية
المهذبة، من خلال أقوال وأفعال تصدر عن صاحبها وهو يمارس حياته
العادية بلا تكلف ولا تقمص ولا تقعر، بحيث تبدو وكأنها عادة ولازمة
سلوكية، لا تنفصل عن الإنسان أو ينفصل عنها مهما كانت المنغصات أو
الضغوط التي يتعرض لها، بحيث يتعامل مع الناس على اختلاف
مناصبهم ومشاربهم بذات الروح الجميلة.
ما أسهل أن نجلس في الغرف المكيفة، وعلى المقاعد الوثيرة، وتحت
الإضاءة المبهرة، ثم ننظم شعراً وكلاماً مُنمقاً حول موضوع الذوق
و«الإتيكيت»، لكن الثمرة لا تتمحور حول التنظير رغم أهميته، إنما
تتمحور حول الممارسة، حتى لا يكون هنالك انفصام وانفصال بين ما
نقول وما نفعل، فيغدو الكلام بلا أثر ملموس، فتتلاشى قيمته وتذهب
هيبته، لذا فإن من الأولى ألا نتحدث عن الذوق كإحساس جمالي فقط،
بل يجب أن نتحدث عنه كسلوك حياتي أيضاً، بحيث نُرسى لدى الناس
فهماً و إدراكاً بكيفية أدائه وخطوات تنميته ليصبح اسماً على مسمى، لا
أن يصبح حبراً على ورق.
إن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الذوق فطرة بشرية جميلة،
لكن من الممكن أن تنطمس معالم هذه الفطرة وتصبح أثراً بعد عين في ظل هذا الثالوث:-
(1)افتقاد القدوة العملية.
(2) الغرور والكبر.
(3) الفقر والجهل.
هذه أضلاع ثلاثة، تطرد مجتمعة
أو متفرقة الذوق عملياً من سلوك أي مجتمع، وإن بقى الحديث عنه نوعاً
من الترف يُمارس بين الحين والآخر.
إذ كيف نربى أولادنا على الذوق بينما تخترق آذانهم وعيونهم وقلوبهم تلك
المشاهد التي يذبح فيها الذوق ذبحاً؟!.
وكيف يحترم أولادنا معنى الذوق، بينما صورته بعض الأفكار على أنه نوع من الخيبة، وقلة الحيلة ؟!.
وكيف يقيم أولادنا للذوق وزناً، بينما لا نضحك كثيراً إلا من إتيان نقيضه ؟؟.
يا سادة، إن الذوق العام يعانى خطراً محدقاً،
بل وتختزل مساحة التعامل به في الأماكن العامة، وفي المساجد, وفي المدارس.. الخ،
تحت دعاوي الحرية الشخصية.. ولا أدري أي حرية في إيذاء مشاعر الآخرين ؟؟؟!
من أجل ذلك فإنه من الأهمية أن نعيد ضبط كلماتنا، وآرائنا، وتصرفاتنا،
على ميزان الذوق، حيث لا غنى أو استغناء لأي مجتمع يسعى إلى ترسيخ
قيمة الإحساس بالجمال، والحرص على الممتلكات العامة، والإبقاء على
البيئة نظيفة جميلة بلا تلوث، من ممارسة الذوق كسلوك عملي في كل مناحي الحياة