ومازلت ابكيك ياأمي

حين مات أبي ...
سمعتهم يقولون :
فقد الأب يتم ...
وفقد الأم ضياع ...
وها أنا أعاني الوجعين ...
اليتم والضياع ..
.... من جمال الماضي وفجيعة الحاضر أتيت أجر قوافل حرف مثقل بالحزن ... ومشحون بالوجع
إلى أمي ....

أماه ...
من سيجمع حزني بعدك ....؟
ومن يستطع أن يلملم دموعي...؟
فرصاص رحيلك ينهمر على روحي ...
ليزيد ألمي ...
أحتاجك ..
كلما هممت بالارتماء في حضنك
لتمتصي وجعي كما كنت تفعلين سابقا....
أوقفني التراب ...
فلماذا من نحبهم أكثر يرحلون أولا ....؟
ياأأمي ..
لن تغادر صورتك عيني ...
كيف أفرح من بعدك ...
كيف أتناول طعامي دون أن أراك أمامي ...
أخبريني ياأمي كيف أبتسم من قلبي ورحيلك يمزقني ...
ياأمي ..
أفكر بك كثيرا ...
أسمع صوتك ...
كل الأشياء حولي تذكرني بك ...
وكل الأشياء تصرخ تناديك ...
سجادتك اشتاقت لموضع جبينك الطاهر المشع بالإيمان ...
وسريرك اشتاق لاحتضان جسدك ...
وضوء الصباح اشتاق لمعانقة عينيك ...
والأرض اشتاقت لوقع خطواتك الهامسة ...
حتى الدواء اشتاق لاحتسائك ...
وذاك الظلام العالق على زجاج نافذتك قد أفتقدك يا أماه ...
أمي
حين أنزلتك للقبر تمنيت أن تمتد تلك الدقائق سنوات ودهورا ...
أريد أن أبقى بجانبك ...
وأن أدفن معك ...
فلا حاجة لي بالحياة بعدك ...
وحين خرجت من قبرك كنت أنثر التراب عليه وأوصيه بأن يظل دافئا يقي جسدك برودة الشتاء ...
كنت احسد ذرات التراب ..
فقط لأنها تلمس جسدك ...
خبأت يدي بعدها داخل جيبي لأحتفظ برائحتك ...
أماه ....
حينما أرتفع صوت أذان المغرب
فرشت سجادتك ووضعت عليها ثوب صلاتك الأزرق وناديتك
أماه ... لقد دخل وقت الصلاة ... تعالي يا أماه لتؤدي الصلاة ...
وحين لم يجب صوتك ندائي ...
سقطت أرضا واحتضنت سجادتك وبكيت ...
أماه ...
أصغي السمع الى شهقات قلبي التي تشبه شهقات سمكة غادرت الماء ...
تطلعي الى رئتي التي صارت تتنفس الألم ...
فلا شيء يستوعبني وأستوعبه ...
وحينما بقى فراشك خاليا من جسدك الطاهر
نبت في النور ظلاما...
يا أمي ....
كيف لي أن أواجه هذه العاصفة ...
وكيف لي أن أتوهم أن قلبي لازال حيا وأنت لست هنا ...
جرحي غائر لاأستطيع علاجه ...
أيتها الغائبة الحاضرة ...
أدرك جيدا الان أني غارق كطفل في أعماق الأسى والحزن ...
وأن الوجود قد بات خاليا من كل الوجوه ...
أشعر بالوحشة ...
أشعر بالشوك والعشب الجاف الذي نبت في روحي مذ رحلتي ...
فمن أين لي بمرهم يطفئ صراخ حزني بداخلي ...
أن لم تكون هنا فأنت هناك ...
وأن لم تكون هناك فأنت هنا ...
أماه كل الاتجاهات تحمل صورتك في حياتي ...
بغيابك ياأمي فتحت الأرض فمها وابتلعت الشمس ...
فلم أعد أرى بعدك سوى الليل والسواد ...
كم أنا أحمق حين أغضبتك ذات مساء بتأخري عن العودة الى المنزل ...
لم أكن أشعر حينها بقلبك المتقد قلقا علي ...
وحين أتيت رأيت وجهك مغسولا بدمعك الذي تجاهلته ...
قلت لي :
سيأتي اليوم الذي تبحث فيه عني ولا تجدني ...
ولن تجد من ينتظرك حينها ...
أمي هاهو اليوم قد جاء ولم أجدك ...
رحماك ربي ...
أمي ...
صرت أرد على هاتفي ولا أسمع صوتا ...
أفتح الكتب لأقرأ فأراك في كل صفحة وعلى كل سطر ...
أمسك القلم طويلا لأكتب وحين أنتهي أجدني قد ملأت الصفحة باحتياجي لك ...
أمي رفقا بي من شبح رحيلك ...
عاصفة هو موتك ياأمي ...
تقتلع القلب ...
وترمي به في البحر ...
ليغرق ولا منقذ له ..
أماه ...
سحبت جسدي من فراشي كعادتي ...
وخطواتي تتسابق نحو باب غرفتك ...
ينساق جسدي إلى مكانك بتلقائية ...
طرقت الباب وانتظرت ...
ووجهي يستحم بالدموع ...
وقلبي مسكون بالوحشة ...
لم تجيبي يا أمي ...
هممت بفتح الباب أبحث عنك بجنون فلم أجد سوى ضوءا يرسم شكل جسدك على السرير ...
تسلقتني الخيبة ...
سقطت على الأرض وبكيت ...
حاولت الوقوف مستندا على الجدار وبدأت أتلمسها و أشتم رائحتك التي استوطنت جدران غرفتك ...
رمقت سريرك بنظرة احتياج للجسد الذي احتضنه سنوات ...
سقطت على سريرك ...
وضممت وسادتك الى صدري حتى ذابت بين أضلعي ...
وبكيت بحرقة احتياج ...
هاهو ظلام الليل يطل من نافذة غرفتك يا أماه ...
يبحث عن جسدك الطاهر
ولا يجد سوى سجادتك الخالية من حروف دعائك للمولى ...
فماذا أقول لهذا الظلام العالق على زجاج غرفتك....؟
أماه ...
هاهي حروفي أحاول أن ألفها ضمادا حول ألمي ...
أحاول أن أجفف بها دمعي ...
لكنها زادتني وجعا وبكاء ...
أماه ..
كان وداعك قاسيا كضربة فأس لقطعة زجاج
أماه ...
لازلت أتذكر روعة الحديث معك ...
وضحكاتك لازالت تركض في روحي وتختببئ في زوايا داري ...
ها هي كل الشوارع مظلمة
وكل ما حولي بدا لي بعدك كصحراء مقفرة ...
وبالرغم من اتساع الأبجدية الا أنها صارت ضيقة ...
كل شيء غاب ...
ولم يبق لي الا الحزن ....
رحلتِي بسرعة الصاعقة ...
وتركتني ملتفا حول نفسي ...
في قشرة صمت يدكها الفقد والاحتياج ...
أماه ...
هذا المساء لم تستوعبني كل الأماكن ...
تجاوزت حدود مدينتي ...
صورتك تزحف بسرعة الى عيني
حضنتها
ودسست وجهي على التراب
وبكيت
بكيت يا أماه حتى أصبح التراب طينا
ولم يكفيني البكاء ...
أماه ...
حين رحلت أمطر جسمي خوفا ووحشة ...
أصبحت لا أعرف أي الأماكن تحتضني ...
فمكان دفئك يا أماه ... أصبح خاليا ...
لا يستوعب أحدا ...
أماه ...
هو يومك الذي كتبه الله
والله جل شأنه لا يخلف وعده
وجاء قضاؤه
لتبقى كلماتي التي كنت أريد أن أقولها لك جافة على لساني
أماه ...
لقد بح صمتي في فمي ...
أناديك ولا تجيبين
أركض خلف رائحتك في داري ويحتضني الظلام
أمشي في أحضانه مشرعا ذراعي ...
وبينهما صدر متعطش الى حنانك ...
أبحث عن جسدك فتوقفني الدموع ...
أماه ... لقد كنتي هنا ...
في هذه الدار ...
ورحلتي عنها ...
مودعة في كل زاوية
رائحتك وصوت ندائي لك ...

للمارين من هنا...
ارجو ان تكتفو بقراءه سوره الفاتحه فقط
فامام الموت كل الكلمات بلا معنى
الا حروف من كتاب الله

......

سهر وملل وانتظار
ووجه بملامح ملاك
لايفارق ذاكرتي المتخمة بالأفكار
أغفو على وسادة جرحي
أحاول أن أمتص ألمي
تلك التي أحببتها
رحلت دون وداع
متى يطلع النهار
وأتيه في زحمة الدرب
وأنسى للحظات
فراقك ياأمي

سما الكون
شكرا لك